أكّدوا أنّ الحدث محطّة رئيسة في مسار الثورة، أساتذة يؤكّدون:

الإضراب نقل عبقرية الثّورة إلى القواعد الشّعبية 

سهام بوعموشة

أجمع الأساتذة المتدخلون على عبقرية الثورة الجزائرية التي استطاعت كسر جبروت فرنسا وإعادتها إلى وعيها، وأسمعت صوت الجزائر في المحافل الدولية، مبرزين أهمية إضراب الثمانية أيام الذي أظهر مدى تلاحم الشعب مع قيادته، مطالبين بالأخذ بأسباب القوة في كتابة تاريخننا.
أكّد الأستاذ نايت قاسي إلياس أستاذ التعليم العالي بالمدرسة العليا للأساتذة في مداخلة بعنوان «البعد الشعبوي لإضراب الثمانية أيام التاريخي»، أن محطة أول نوفمبر تعد محطة حاسمة في تاريخ الجزائر المعاصر بفضلها استعادت الجزائر مكانتها بين الأمم وهيبتها، مضيفا أن هذه الثورة عرفت محطات تاريخية متنوعة ومتعددة، وكانت تلك المحطات محطات لإسترجاع الأنفس وضخ روح جديدة في العمل التحرري، وأن إضراب الـ 8 ايام أحد هذه المحطات الرئيسية.
وأبرز نايت قاسي في هذا السياق همجية الاستعمار الفرنسي، الذي قتل ودمر الاقتصاد الجزائري في أبسط مستوياته، وبرر ذلك بأن إقتصادنا لا يتماشى مع تطلعات الإستعمار والاقتصاد الليبرالي العام، متناسية انه في عز أزمتها خلال ثورتها المزعومة أن الجزائر كانت ذلك الجسر الذي موّنها وغذّاها، حيث واجهت الجزائر في موقفها الإنساني أعتى الامبراطوريات وهي الإمبراطورية الإنجليزية آنذاك، مستشهدا بما قاله الكاتب الفرنسي فكتور هيقو الذي أكد وقوف الجزائر إلى جانب فرنسا.
وأضاف أن فرنسا ادعت بأنها أخرجت الجزائر من عش القراصنة وأنها لم تكن دولة، بل عبارة عن قبائل متناحرة ولم تشهد حضارة أو جذور، وعملت على محاولة طمس الهوية الجزائرية في لغتها وثقافتها، دمرت الأسرة الجزائرية وفرقت المجتمع الجزائري وضربت بنيتها، كل ذلك كان لزاما على رد فعل الجزائريين فكانت مرحلة المقاومات الشعبية التي لم تنجح، فكان لابد من مراجعة فكرية لأساليب النضال.
وبحسب المحاضر، فإن طبيعة تعاطينا مع التاريخ الوطني مبنية على أمر خطير، وهو البحث في أسباب الضعف لا في أسباب القوة، قائلا: «علينا الأخذ بأسباب القوة لا بأسباب الضعف، وهذا هو المعطى الحقيقي الذي يجب أن ننطلق فيه لصناعة وكتابة تاريخنا المجيد».
وأشار أستاذ التعليم العالي إلى أنّ هناك ثلاث ركائز كانت سببا في نجاح الثورة الجزائرية حدّدها خبراء أجانب، الأولى فكر خلاّق، ونخبة شجاعة تتبنى هذا الفكر وثالثا جماهير واعية وليست قطعانا ديماغوجية يسهل التلاعب بها، وقد توفّرت هذه الركائز الثلاث، والتاريخ يظهر قدرة الجزائري على التعاطي مع الظروف وما يزال إلى وقتنا هذا، قائلا: «الجينات الجزائرية عبر التاريخ جينات خلاقة ومبدعة، الثورة لم تنجح لأننا اعتمادنا على الأساليب الحديثة، وإنما اعتمادنا على أساليب مبدعة وخلاقة «.
وقال أيضا إن فرنسا اعتمدت على مبدأ القوة في مواجهة الثورة بمضاعفة عدد جنودها كي يكون النصر حاسما، لكن الثورة قلبت المفاهيم لأن فلسفة النصر تختلف بين المقاوم والمعتدي، هذا الأخير نصره بما يحققه في العدو من تقتيل، تدمير وتجريح، أما المقاوم فدرجة النصر لديه تقاس عنده بقدر ما يترك وراءه من حملة لفكرته قائلا: «هنا نفهم مقولة الشهيد العربي بن مهيدي: ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب، إذا استشهدنا فلنترك وراءنا الحاملين لتلك الفكرة»، مشيرا الى انه لولا الحاضنة الشعبية لما نجحت الثورة».
وتطرّق نايت قاسي إلى نتائج الإضراب الذي يعد منعطفا تاريخيا مهما، متأسّفا على عدم دراسته بشكل معمق وكاف من طرف الباحثين، مطالبا بإعطاء لمثل هذه القضايا بعدها الحقيقي والتفكر فيما كان يفكر فيه الذين أعلنوا هذا الإضراب.
في هذا الصدد، أبرز نايت قاسي عبقرية الثورة التي تمكنت من تقديم نموذج لعمل سياسي وعسكري اتخذته دول كثيرة فكانت نبراسا وايقونة حقيقية، قائلا: «لم نستطع أن نتّحد أو نضع وثيقة اقتصادية نتناقش عليها ونسير بها، نأمل أن تكون الجزائر الجديدة جامعة للجزائريين».
عبد الستار: شبابنا بحاجة لمعركة الوعي
من جهته تطرق أستاذ التعليم العالي الدكتور حسين عبد الستار في مداخلة بعنوان «رؤى تحليلية في أبعاد وتداعيات إضراب الـ 8 أيام التاريخي إلى عظمة الثورة التي طهّرت المجتمع الجزائري من المجتمع الكولونيالي «العفن»، وأسّست لمجتمع جزائري أصيل، كما طهّرت أفريقيا كلها من الإمبراطورية الإستعمارية الفرنسية بإستقلال 11 دولة بسبب الجزائر.
وأكّد عبد الستار أن هذه الثورة نموذج رائع في الحروب الشعبية الثورية ذات الطابع التحرري، وفي دلالاتها الرمزية وقيمها السامية واستيراتيجيتها المتعددة وفي تأثيراتها المختلفة المحلية، الإقليمية والدولية يمكن أن تكون نموذجا لثورة عالمية ونظرية للسلوك الثوري والحضاري لأية أمة من الأمم تنشد نهضة في المستقبل، قائلا: «بالرغم من أن البعض من مرضى القلوب يعتبرون أن الثورة الجزائرية، مجرد حرب تحريرية فقط وأنها مجرد عمل عسكري تحكمت فيه الظروف أكثر مما تحكمت فيه الأفكار والاستراتيجيات لكن الحقيقة غير ذلك».
وأوضح المحاضر أنّ ثورتنا لم تقم بشكل تلقائي أو فجائي أو اعتباطي، ولم تكن مجرد ردود أفعال، فلا تزال إلى يومنا هذا مشروعا استراتيجيا وحضاريا بدأ بتحرير الأرض وهي مستمرة في بناء هاته الجزائر لأن الثورة تحتاج إلى حدث مفجر وفيما بعد إلى بديل للأفكار السائدة، مشيرا إلى أن الثورة قامت على استراتيجيات وغيرت الكثير من المسارات أذهلت الإدارة الاستعمارية أمام هذه العبقرية التي صنعت وصمّمت بدموع ودماء وآلام الجزائريين منذ 1830.
في هذا السياق، أبرز أستاذ التعليم العالي أنّ الثورة لم تكن مجرد معارك، وإنما منظومة إستراتيجية حضارية متكاملة لها مداخلاتها من الرصيد التاريخي والحضاري ومرجعية عقائدية، وكذا آلياتها التي من خلالها نفّذت العمليات اللازمة لتحقيق الهدف الأسمى، وهو تحرير الأرض والإنسان باستعادة السيادة الوطنية التي ننعم بها اليوم، مضيفا أن المفهوم الذي قامت به استراتيجيات الثورة الجزائرية سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أساسه ضمائر حية تحركت، ووجدان مليء بحب الوطن ومن عمق الشعب استمدت عزيمتها وقوتها واستطاعت تحقيق المعجزة.
وأوضح أنّ الثورة مقاربة منسجمة بدأت بالمعطى العسكري ثم الأداء التنظيمي والسياسي، وتابعت بالنشاط الدبلوماسي والإعلامي انطلاقا من العمل الجماهيري، قائلا: «في هذا الإطار جاء إضراب الثمانية أيام التاريخي الذي يعد حدثا مهما جدا في تاريخ الثورة الجزائرية، لأنه يعتبر شكلا جديدا من أشكال النشاط الثوري الذي يختلف تماما عن النشاط العسكري»، مشيرا إلى أن قادة الثورة من خلال الإضراب بيّنوا للعالم أن هدف جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني ليست الحرب في حد ذاتها والقتل لم يكن غاية، لأن الكثير عندما يتكلم عن الثورة الجزائرية يعتقد أنها غرقت في الدم والحقيقة غير هذا، فالثورة الجزائرية في أساسها ثورة تحررية شعبية سلمية وهذا ما نص عليه بيان اول نوفمبر، قال عبد الستار.
في المقابل أبرز الأستاذ أنّ دراسة إضراب الـ 8 أيام بعيدا عن التاريخ الأفقي والحدثي، وفي قراءتنا لإسقاطاته هو أنه نقل عبقرية نوفمبر من القمة إلى القواعد الشعبية من خلال هاته الحركة الجماهيرية، تعتبر حرب التحرير حربا شعبية جماهيرية يقودها الشعب وجيش التحرير، مضيفا أن هاته الحركة الجماهيرية بينت مدى التلاحم الموجود بين الشعب وقيادته من خلال إلتزام الشعب بتعليماته، مستشهدا بما جاء في جريدة témoignages chrétienne في 1960، وهي شهادات لكثير من الضباط الفرنسيين حول الوضعية العسكرية في الجزائر، حيث تقاطعت شهادات أغلبية الضباط في نقطة مهمة جدا، وهي استحالة الفصل بين الشعب وجيش التحرير الوطني.
وأكّد أنّ الإضراب كان مؤشرا واستفتاءً شعبيا بإمتياز على مدى التلاحم الموجود بين الشعب وقادة الثورة، مشيرا إلى أن مهندس الإضراب هو الشهيد العربي بن مهيدي.
المجاهد قبلي: التّاجر لم يتخلّ يوما عن دعم الثّورة
قدّم المجاهد سعيد قبلي شهادته عن الإضراب الذي وقع من 28 جانفي إلى 4 فيفري 1957، مؤكدا أن فئة التجار قدموا مساعدات كبيرة للثورة فهم من كانوا يزودون المجاهدون في الجبال بالمؤونة الغذائية، ولم يتخلوا ابدا عن دعم الكفاح الوطني، وعندما نودي للإضراب استجابوا على الفور وأغلقوا محلاتهم رغم ما تعرضوا له من ضرب وتعذيب وكسر محلاتهم.
وأضاف أن يوم الإضراب كان الجزائريون في منازلهم يترقبون ماذا سيحدث وهل سينجح الإضراب؟ حيث سمعوا عبر إذاعة الجزائر نداء السلطات الفرنسية لسكان الحراش وبقية المدن لفتح محلاتهم ومباشرة النشاط حينها تيقنوا من نجاح الإضراب، مشيرا إلى أن التجار الفرنسيين اختبأوا وكانوا خائفين من نتائج الإضراب.
ووجّه المجاهد قبلي رسالة إلى شباب اليوم وللذين يروّجون لأكذوبة أن فرنسا هي من منحتنا الإستقلال، قائلا: «الإستقلال حصلنا عليه بالدم والسلاح، افتخروا يا شباب اليوم بأننا جزائريون حافظوا على الجزائر»، مضيفا أن المحافظين السياسيين كانوا يوعون الشباب إبان الثورة بالقول إنّ الحرية هي شجرة لا تسقى إلا بدماء الشهداء.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024